أربعينية المناضل المنجي اللوز
عزالدين الحزقي
خمس سنوات طبعت حياتنا وحياة العديد من أشبال وشباب الوطن..
خمس سنوات من مارس 1968 إلى أواخر 1973 خلقت فينا وبيننا هذه الروابط الثلاث: الصداقة والرفاقية والعشرة.
خمس سنوات تعارفنا فيها …تعارُفا دام خمسين عاما…
خمس سنوات التقينا عبرها لقاء الأحبّة ولقاء الصداقة والوفاء…
خمس أعوام جمعتنا مئات المرّات لنحكي همومنا عبر مشاغل بلادنا التي كانت تعيش وقتها مآسي وقهر وذلّ تلك السنوات.
خمس أعوام ضحكنا خلالها كالأطفال…بكل براءة وصدق مثلنا مثل بقية من كنّا قريبين منهم من شباب تلك الأجيال.
أكلنا معا ومع الأحبة بكلّ شراهة بعد مخاض شيّق وعسير مع شيء من الأوجاع ما أنتجه الفكر النيّر فاختلفنا واتفقنا بعد جهد شاق، مضنٍ ومرير…
شربنا لوحدنا وصحبة الأحبّة والأصدقاء نبيذ الثورات حتى الثمالة حين سافرتْ بنا أحلامُنا إلى سايغون وهانوي وشي غيفارا وربيع بــراغ وهوشي منه و ماوتسي تونغ وبيكين وأحداث 1968 في تونس وفرنسا و الثورة الثقافية في الصين.
خمس سنوات بعثنا سويّا ومع الرفاق فرع “آفاق” بصفاقس التي نحب..الفرع الذي تعلّقنا به ومن أجل إشعاعه كلّ طاقاتنا أعطيناه
كتبنا ووزعنا المناشير والنصوص سرّا وجهرا…خفنا وتشجعنا، سهرنا ونمنا، أعطينا وأخذنا دون مقابل ودون حساب…
عشنا سويا أيّام تأسيس أوّل نادي للقصة والشعر ونادي سينما الشغّالين ونادي سينما الأطفال بداية السبعين.
كما شاءت حرب أكتوبر73 أن تدفع بنا في أتّون الحرب فعشناها عن بعد، كما لو كنّا في الجبهة إلى أن اختطفتنا أيادي القمع البورقيبي لتزجّ بنا جميعا في دهاليزها المظلمة ومعتقلاتها المقرفة خلال نوفمبر 1973.
أرادونا معزولين عن دنيانا التي نعشق فتضامنت معنا كل القوى الحيّة المحبّة للحرية والعدالة والمساواة.
قرّروا حبسنا بعد أن حكموا علينا ظلما لإلجام أفواهنا وتجفيف أقلامنا فتحرّكت أبداننا أكثر من ثلاثين مرّة، كسّرنا بها أسوارهم وفرضنا بفضلها على السجّان صاغرا، تغييّرات أدخلناها على السجون والمعتقلات،
قضينا سنوات الحبس وعدنا إلى معبدنا الأوّل أواخر السبعينات ومن هناك واصلنا اللقاء والعمل والعطاء فانخرطنا مباشرة في الدفاع عن الحقوق والحرّيات صلب فرع الرابطة بصفاقس الذي ساهمت كعادتك في بعث روح التحدّي فيه فأحييناه..
لا شك أنّك تذكر كيف بعثنا لجنة الحقوق والحريات ولجنة المرأة ولجنة الشغل والنشاطات التي واكبت كلّ تلك المجهودات.
كما أنّني على يقين بأنّك لا زلت تذكر الانتخابات التشريعية لعام 1986…
تلك الانتخابات المهزلة التي أرادها نظام الحكم وقتذاك أن تكون مسرحية سخيفة مقزّزة حين أمعن بكل ساديتة المعهودة إبعاد القيادة الشرعية لاتحاد الشغل فعيّن ” عبد العزيز بوراوي المنشق عنها على رأس قائمة الحزب الحاكم تحت عنوان “الاتحاد الوطني”…
وكنت أنت من أشد المدافعين على ضرورة المشاركة في ذلك الاستحقاق بقائمة مستقلة تحمل اسم الاتحاد…الاتحاد الذي كان الحزب الحاكم دوما يسعى لتدجينه وإخضاعه إليه.
بعد حوارات طويلة، مضنية عسيرة توصلنا لتجسيد ذلك التحدّي ونجحنا بكل تواضع وبكل فخر في تقديم قائمتنا المستقلة التي جمعت العديد من الأطياف السياسية آنذاك وأعطيناها اسم:
” الاتحــاد الديمقراطي”
أغلب من عايش تلك الفترة يتذكر حملتنا التي جابت الولاية شرقها وغربها وتركت في العقول والأذهان بصمتها وأشعلت الضوء الأحمر منبّهة للأخطار المحدقة بالبلاد والعباد والفاضحة للاستبداد والكاشفة للخيارات المفلسة الفاشلة لواقعنا الأظلم الأليم…
وكعادة ديمقراطية الأنظمة الاستبدادية لم تتحصّل القائمة، طبعا،على أيّ مقعد، رغم تسجيلنا لعشرات التجاوزات…
إلاّ أنّنا أثبتنا لكل الذين ذهبنا إليهم واتصلنا بهم وحكينا معهم أنّنا أوفياء لهم وأنّنا عنهم مدافعون ولقمعهم رافضون…والبعض يا رفيقي، إلى هذا اليوم يذكر مداخلتك الرشيقة في منطقة سيدي صالح قرب الغرابة أمام المعصرة…فهل تتذكر أم أنّك قد نسيت.؟
صديقي…رفيقي وعشيري…:
إن نسيتُ الكثير الكثير من محطّات نضالاتك المختلفة فإنّني لا ولن أنسى وقوفك إلى جانبي حين تحدّيتُ “الزين بن علي” وترشّحت ضدّه بعد انقلابه على وليّ نعمته في أوّل انتخابات له 02 أفريل عام 1989 وساهمت أنت معيّة أصدقاء ورفاق مجلّة “أطروحات” حين شجعتموني على تقديم شكاية ضده “للأمم المتحدة بجينيف” لمخالفته قانون المجلة الانتخابية آنذاك.
كما لا ولن أنسى مساهماتك القيّمة حين التحقت أوائل التسعينات بفريق” أطروحات” المجلة المناضلة زمن الخنوع والطاعة والسُـكات.
صديقي…رفيقي وعشيري…:
لو بقيتُ أكتب ساعات وساعات ولو بقيت كلّ المدّة التي سُمِحَ بها للرفيقات والرفاق والأصدقاء والصديقات أحكي وأسرد ما أعرفه عنك وما فعلتُه معك وما تعلمتُه منك لمَا توفَّـقتُ ولما أوْفيتُ ولما أعطيتك جزء يسيرا ممّا تستحقه من محبّة ومن جميل الذكريات والتضحيات.
صديقي…رفيقي وعشيري…:
دمت في القلوب الوفية التي أنت أحببت ودمت مثالا وذكرى لسخاء في العطاء أنت بذلت ودمت للأجيال القادمة مثالا في نكران الذات التي أصبحت جزء منك وبها تطبّعت ودمت مرجعا في التضحيات التي عاشرتك إلى آخر يوم في حياة الدنيا التي أنت عنها غادرت وعنّا وعنها إلى حياة أخرى أنت سافرت./
تونس في 12-06-2021